عدم وعى التاجر بمتطلبات السوق
وافتقاده لثقافة المُستهلك
أدركت حينها أن الأطفال لن يستطيعوا مقاومتها - مثلى - عندما يرونها، ومما زاد اهتمامى بها .. أن الكمية المتاحة منها كانت محدودة؛ لذا فقد قررت شراء كميةٍ منها للنزول بها في السوق فى أحد مواسم الأعياد، فهى فرصةٌ كبيرة لتحقيق ربحٍ جيد، كنت فى أشد الحاجة إليها كصاحب مشروعٍ صغير... عليه من التكاليف الكثير...
لقد كانت نوعاً من أنواع لعب الأطفال ذات الشكل والأداء الجذاب , فقد أعجبتنى كثيراً عندما رأيتها عند مُستوردها , وكانت لعبة جديدة على السوق المصرى بشكلٍ عام والسوق المحلى - فى بلدى أسيوط - بشكلٍ خاص , هذا بالإضافة إلى نوعٍ جديدٍ أيضاً من الإكسسوارات الحريمى كثيفة الطلب فى مثل هذه المواسم.
لذا .. فقد كنْتُ التاجر الوحيد الذى أنزل تلك الأنواع الجديدة فى أسواق المحافظة كلها على الرغم من كونى - فى ذلك الوقت - واحداً من أحدث وأصغر التجار الذين يعملون فى هذا المجال , وكانت سعادتى غامرة عندما وصلت البضاعة إلى مخازنى , وظننت أن الفرصة قد حانت لعمل أرضيةٍ قوية لدى كبار التجار وكسب ثقتهم ..
ولكن حدث ما لم أكن أتوقعه ..
لم أجد تاجراً واحداً يرغب فى شراء بضاعتى أو حتى مُقتنعاً بها , وكلما حاولت إقناع أحدهم بها وبأنها ستنال إعجاب الناس عند عرضها , أخرج لى نوعاً آخر كان منتشراً ومطلوباً وقال لى : ( الزبون يريد مثل هذه , وفى حال إحضارك مثلها فسأشترى منك فوراً ).
أصابنى ذلك بإحباطٍ شديد على عكس ما كنت أتوقع , كما تشككت فى مدى تقديرى لاحتياجات المستهك , وما إذا كنت أملك القدرة على استيعاب ثقافة وذوق المستهلك وتوفير السلع التى ستعجبه , ولم أتأكد من صحة تقديرى إلا بعدما عرضت تلك السلعة على أقاربى وأصدقائى ووجدت منهم إعجاباً شديداً بها ( دراسة احتياجات السوق ) , حتى أن عدداً منهم قام بشرائها منى فعلاً.
وهنا أدركت الحقيقة الغائبة و الدرس الأول , إن هؤلاء التجار هم الحائل بينى وبين المستهلك , أو بتعبيرٍ أدق .. هم ( الحائل بين المستهلك وبين سلعتى المتميزة ) , وأن ذلك الحبيب البعيد - المستهلك - حتماً سيشترى السلعة إذا رآها معروضة ( بشرط أن تكون متميزة ) , ولا بد أن أجد طريقةً ما لإزاحة هذا الحائل بيننا والوصول إليه.
تلاعبت المخاوف برأسى , فمعنى عدم قدرتى على تصريف هذه البضاعة خلال موسم العيد , أنى سأجد صعوبةً بالغة فى تصريفها بعد انتهائه , كما أن رأس المال الذى أعمل به صغير , والسيولة المالية المتوفرة ليست بالكافية لمواجهة هذا الموقف , فهى لن تُسعفنى بالقدر اللازم من أجل استمرار العمل بكفاءة - من حيث تغطية بعض المصروفات الثابتة بجانب شراء بضائع جديدة.
جلست أفكر فى هدوء .. عَلِّى أصل إلى حلٍ لهذه المشكلة , فهدانى ربى إلى فكرة عقد اتفاق مع بعض التجار ذوى السمعة الطيبة - حيث أن الأمر فيه مخاطرة - وهى أن يقوموا بعرض بضاعتى بمحلاتهم بدون أن يدفعوا شيئاً على الإطلاق ( بضاعة أمانة ) ولا يحاسبونى إلا على ثمن ما يتم بيعه فقط , وبعد انتهاء الموسم يردوا إلىَّ ما تبقى لديهم من البضاعة.
كان الأعجب - بالنسبة إلى خبرتى فى ذلك الوقت - أن وافق جميع التجار الذين عرضت عليهم هذا العرض بدون استثناء , فكما يقول المثل العامى ( أبو بلاش كَتَّر منه ) , إنتبه ! إنه الدرس الثانى , فالعروض المجانية من طرق التحفيز الهامة للتاجر - وكذلك للمستهلك النهائى - على الشراء.
بتوليفةٍ سحريةٍ متميزةٍ تكونت من توفيق الله أولاً , ثم الأخذ بالأسباب ثانياً , الإجتهاد ثالثاً , وأخيراً الإصرار على النجاح رابعاً .. تم بيع جميع البضاعة الموجودة من تلك البضاعة , بل إن هؤلاء التجار طلبوا منها المزيد - حتى بعد العيد - نظراً لإقبال حبيبى المستهلك عليها , فهو من أفهمه وأسعى لإرضائه , وهو بدوره يشعر بى ويقبل على بضاعتى.
وقد خرجت أيضاً من هذا الموقف بمكسبٍ كبير - هو الأهم على المدى البعيد - وهو علاقاتٍ متينةٍ بالعديد من التجار .. تجار الجملة ومحلات التجزئة الكبرى فى محافظات وسط الصعيد ( المنيا - أسيوط - سوهاج ) , حيث اكتسبت ثقتهم , وهو ما ظهر من تقبلهم وإقبالهم على ما عرضته عليهم من بضائع فيما بعد .. حتى وإن كانت جديدة على السوق.
وقد خرجت أيضاً من هذا الموقف بمكسبٍ كبير - هو الأهم على المدى البعيد - وهو علاقاتٍ متينةٍ بالعديد من التجار .. تجار الجملة ومحلات التجزئة الكبرى فى محافظات وسط الصعيد ( المنيا - أسيوط - سوهاج ) , حيث اكتسبت ثقتهم , وهو ما ظهر من تقبلهم وإقبالهم على ما عرضته عليهم من بضائع فيما بعد .. حتى وإن كانت جديدة على السوق.
وأما الدرس الثالث الذى تعلمته من هذا الموقف .. أن أضع جميع الإحتمالات نُصبَ عينىَّ وألا أُفرِطَ فى التفاؤل ( التوازن ).
وتلك كانت قصة التحدى التسويقى الثالث الذى واجهنى , إنه عدم وعى التاجر بمتطلبات السوق وافتقاده لثقافة المُستهلك , والذى وفقنى الله بفضله فى التغلب عليه.
وبالطبع .. ليست هذه الوسائل ( الدروس ) الثلاثة هى كل ما يمكن أن تواجه به هذا التحدى , فهناك وسائل أخرى ستتعرف عليها - بتوفيق الله - إذا كنت من المتابعين للمدونة.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
لا غنى لنا عن مشاركتك بالتعليق ..فمنكم نتعلمُ ونستفيد.