الجمعة، 21 ديسمبر 2012

تحديات تسويقية ج1

عدم المعرفة بأهمية أو كيفية التسويق أصلاً

استشارات تسويقية

كنت أتحدث إلى د. أحمد على " مدير منطقة الصعيد بشركة EcoTrust " منذ عدة سنواتٍ حول أهم المشكلات التى تواجه المنشآت والشركات الصغيرة , وبحكم أن الشركة التى يعمل بها متخصصة فى مجال التدريب وفقاً لمواصفات الجودة العالمية وتمنح شهاداتٍ معتمدة بهذا الخصوص , فقد أخبرنى بأن هناك العديد من المنشآت التى حصلت منتجاتها على شهادات الجودة العالمية " أيزو " عن طريق شركتهم , ولكنها تعانى من مشكلة عدم القدرة على تسويق تلك المنتجات.

هكذا تكون الجودة ( فتبارك الله أحسن الخالقين )

كان الأمر مفاجأةً بالنسبة لى , فقد كان تصورى أن عدم القدرة على التسويق الفعال , إنما هى مشكلةٌ يعانى منها أصحاب المنتجات متدنية الجودة بشكلٍ أكبر , وأما المُنتَج
الجيد فسيفرض نفسه إن عاجلاً أو آجلاً , كما أن له زبونه الذى يطلبه خصيصاً , فيحتاج إلى مجهودٍ تسويقىٍ أقل , وهو ما سيؤتى ثماره ولو بعد حين.

وهذا صحيحٌ بصورةٍ أو بأخرى , ولكن إتضح لى أن الأمر أكثر تعقيداً وتشابكاً.

كلنا - تقريباً - على علمٍ بأن المشروعات فى بدايتها - خاصةً الصغيرة منها - تواجه العديد من التحديات والمصاعب التى تشكل مجموعةٍ من العوائق التى تقف فى طريق نجاحها , أو تعطل مسيرة توسيع النشاط والإنطلاق , بل ربما كانت سبباً فى تعثر المشروع أو انهياره بالكامل.

تتنوع هذه التحديات ما بين مادية وتخصصية ومعلوماتية , ولكننا سنتناول التحديات التسويقية الرئيسة التى تواجه معظم المشروعات بشكلٍ عام , والصغيرة منها بشكلٍ خاص.

وبعيداً عن التعقيدات النظرية أو الفلسفية التى لا يفهمها معظم أصحاب تلك المشروعات - حتى وإن كانوا مُتعلمين - فالأمر لا يتعلق بالمستوى التعليمى على الإطلاق , فكم رأينا من كبار رجال الأعمال ممن ينتشرون فى كل أرجاء العالم , أصبحوا ملء السمع والبصر على الرغم من أن نصيبهم من التعليم لم يكن وافراً , وإنما الأمر يتعلق بالفكر والمهارات التسويقية التى يتمتع بها صاحب العمل أو فريق التسويق الذى يستعين به لتحقيق أهداف مشروعه أو مؤسسته والانتشار بها للوصول إلى أبعد مدى.

ومن خلال تجاربى العملية فى السوق المصرى ( وهو ما أعتقد أنه يتشابه كثيراً مع معظم الأسواق العربية ) .. تبينت  - فى حدود خبرتى - أن هناك مجموعة من التحديات التسويقية الأساسية المتشابكة .. تواجه معظم أصحاب المشروعات الصغيرة فى عملية تسويق منتجاتهم , وتؤثر عليها بما يعيق تقدمها وتعطل إقتصاد الأمة معها , ويندرج تحت هذه التحديات مجموعات أخرى من التحديات الفرعية.

ويأتى على رأس هذه التحديات - من وجهة نظرى - عدم معرفة - معظم - أصحاب الأعمال بأهمية التسويق أصلاً , وهذا الجزء هو أهم التحديات التسويقية على الإطلاق ..


إذ قبل البدء .. كيف يمكن أن أقوم بانتاج أو بيع سلعةٍ ما دون أن أعرف مدى احتياج السوق لهذه السلعة ؟

وهذا ما يقع فيه - مع الأسف - معظم أصحاب الأعمال فى بلادنا.

أما بعد الإنتاج .. فكيف سأقوم بالترويج لمنتجاتى والعمل على انتشارها للوصول إلى أكبر عدد ممكن من المستهلكين الذين يحتاجونها أو يرغبون فيها دون أن أتعرف على الطريقة الأمثل لفعل ذلك .. علم التسويق ؟

وهذا هو الجزء الثانى من هذا التحدى وهو .. إن اعترف صاحب العمل بأهمية التسويق , فإنه يواجه مشكلة عدم معرفة كيفية التسويق لمنتجاته وفقاً للحد الأدنى من قواعد التسويق المتعارف عليها.

لذا فإن غالبية التجار وأصحاب الأعمال يعتمد سلوكهم التسويقى على اجتهادهم الشخصى , وغالباً - كرد فعلٍ لتقلبات السوق - يرتجلون فى عملية الترويج لمنتجاتهم , وذلك لعدم وضوح الرؤية لديهم و لعدم وجود خطة مدروسة لتحقيق تلك الرؤية

عرفنى د. أحمد على أحد أصحاب المشروعات الصغيرة , وهو كيميائىٌ متميز يمتلك مصنعاً صغيراً لاستخلاص الزيوت الطبية والعطرية من النباتات ( وهو أحد المجالات الواسعة الواعدة فى أوطاننا العربية ) بمواصفات الجودة العالمية المطلوبة , حاول تسويق منتجاته عدة مرات بالسوق المصرى , ولكنه فشل حتى كاد أن يتوقف مصنعه , فمنتجاته غالية الثمن نظراً لدرجة نقائها وإتقانها , وهو لا يعرف كيفية الوصول إلى من يستخدمها داخل مصر , إلا أن القدر كان به رحيماً عندما تعرف على أشخاصٍ يعرفون قيمة هذه الزيوت ويصدرونها إلى من يعرفون قيمتها أيضاً .. الإتحاد الأوروبى , حيث أنه لا يقبل إلا بمواصفات جودةٍ عالية.

دفعنى الفضول إلى سؤال ذلك المستثمر الصغير ..

إذا كنت تعرف أن من يشترون منك منتجاتك .. يقومون بتصديرها إلى الخارج , فلم لا تقوم بالتصدير بنفسك وتحقق أرباحاً أكبر ؟ "

فقال : " أحمد الله على أنى أخيراً وجدت من يشترى منى منتجاتى بدون تعب , لقد وفروا علىَّ الكثير من الجهد والوقت والمال , وهذا يمنحنى الفرصة للتفرغ والتركيز فى تحسين الإنتاج , فهذا تخصصى الذى أفهمه جيداً ".

فى الحقيقة وجهة نظر تُحترم , ففى الأمر تنسيقٌ طبيعىٌ رائعٌ بين من يُنتج بإتقان ( وهو من أهم إحتياجات أمتنا ) وبين من يُتقن التسويق ويوصل المُنتج إلى من يرغبه ويطلبه.

ولكنى بادرته بسؤالٍ آخر ..

ماذا ستفعل إذا لا قَدَّر الله - حدث بينكم خلافٌ , أو أنهم غيروا نشاطهم , أو أصدرت الحكومة المصرية قراراً بإيقاف تصدير هذه المنتجات , أو أوقف الإتحاد الأوروبى الإستيراد من مصر , أو حدث أى شىءٍ آخر ؟ "

فقال وهو يهز رأسه : ( ربنا يحلها ساعتها )

* بالمناسبة .. كلها احتمالاتٌ واردةٌ بالنسبة إلى أية سلعةٍ , والحكمة تتطلب الإعداد لبدائل , وهنا يحضرنى سؤالٌ هام وهو :


ماذا سنفعل مثلاً إذا إتخذت أمريكا وروسيا والدول المتقدمة قراراً بمنع أسلحتهم عنا ؟

ماذا لو قاموا بإيقاف تصدير بعض الأسلحة المتطورة التى نقوم بتسليح جيوشنا بها ؟

هل سنلجأ وقتها إلى استيراد سلاحنا من إسرائيل ؟ !

* مجرد خاطر *

والخلاصة هو أن ذلك المستثمر - ومثله الكثيرون فى بلادنا العربية والإسلامية - بدأ الإنتاج وهو يعانى من التحدى التسويقى الأول , فهو لا يعرف كيفية تسويق ما سينتجه قبل أن يُنتجه , وهذا هو حال التسويق فى بلادنا من سنواتٍ طويلة ..


و الدرس المُستفاد من قصتنا يكمن فى أنه على الرغم من هذا (1) التنسيق الرائع بين المُنتج ( الذى لا يجيد التسويق ) وبين المُسَوِق ( الذى لا يُحسن الإنتاج ) فإن الأمر يفتقد إلى (2) ضمان الإستمرارية وفقاً لخطط مبنية على أهداف , وأن (3) عملية التصدير بهذه الصورة تعتمد على مجهوداتٍ فردية ( وهو مالا يجب الاعتماد عليه ) وليست على سياسةٍ عامة ( كما ينبغى أن تكون ) , ثم (4) نحيلها إلى ثقافةٍ تسويقيةٍ مُتأصلةٍ فى وجدان شعبٍ فى أشد الحاجة إلى فتح أسواقٍ جديدة لمنتجاتٍ لا تعرف التسويق وفتح آفاقٍ أرحب للقضاء على البطالة التى تكاد أن تقضى عليه.


فمتى نتعلم ونعتبر ونستفيد من مثل هذه الدروس .. ليتغير الحال إلى خير حال ؟  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لا غنى لنا عن مشاركتك بالتعليق ..فمنكم نتعلمُ ونستفيد.